الثلاثاء، 4 يونيو 2013

لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا
هذا العنوان كلمة مأثورة عن الإمام علي كرم الله وجهه. وأُختها كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهورة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا!".
أولئك الأحرارُ العظماءُ رُبُّوا على إباء الضيم، ولا يعرفون غير الله ربّا. لا جرم أن داسوا الطاغوتَ تحت الأقدام. وتتحدث إلينا تلك الأصواتُ المُنَعَّمَةُ في رضى الله عز وجل ونحن اليوم قطيعٌ ترعاه الذئاب. لو كنا أسودا لما قبِلْنَا بغير الحرية بديلا. لكنَّ طباع النعاجفينا، وبلادتها، وخضوعها، أهَّلَتْنَا أن نُخَوَّفَ بالعصا فنخافَ، وأن نُقادَ فننقادَ، لا نَسْألُ عن الوِجهة والهدفِ، وأن تُجَزَّ أصوافُنا، وتُجْزَرَ ذواتُنا. 
الفردُ منا عبدُ شهوته، فهذه أصلُ العبوديات لغير الله. ومن هذا الأصل يُمْسَكُ الفردُ، يمسكه الشيطانُ ذئبُ الإنسان، ويمسكه الطمعُ، ويمسكه الخوفُ، فيخضع للمال وإغرائه، والجاهِ وسلطانه، والحاكم واستبداده، والمجتمعِ وتقاليده،والفكرالسائد واستطالته. يُنسيه الطمعُ في المنصب كرامتَهالآدمية،ويبيع دينه بالأبيض والأصفر،ويستسلم للتهديد، قَشَّةٌ من غُثاء. 
والمجتمع عندنا عبْدٌ بعضُه لبعض. المعروف ما عرَّفَه سيف الحاكم، وسلطانُ الطبقة المتسلطة، وما عرفته الأعرافُ الحضاريَّة. عند قوم تراثٌ وقومية، وعند قوم قومية واشتراكية. تبعية هناك وتقليد، وتبعية هنا. والمنكرُ ما تجيء به أنت مخالفا للتيار السائد. إن كنت مسلما فالمقلدون لا يَرَوْنَكَ إلا من الخوارج إن لم تشاركهم الثُّغَاءَ في قطيع الحاكم. وإن كنت ثوريا تبشر بإسلام المستضعفين فالتقدميون، الملحدون منهم والمنافقون والمُغَرَّرون، لا يرونك إلا دخيلا ملَفِّقاً.
الفكرُ الحرُّ مكبوتٌ إلا إن اكتسبَ الحُرمةمن إعلانولائِهِ للحضارة السيدة، وإرادةُ الأمة مصادَرَةٌ، والإنسان عبدُ الإنسان.
وغداً في دولة القرآن، يواجه جندُ الله الأحرارُ مهمةَ صياغَةِ الشخصيةِ الأبِيَّة وتربيتها التي لا يُجْدي فيها مجرد الإخبار بأن الله خلقك حرا، ولا يجدي فيها الاستفهام الإنكاريُّ الذي ورد في قولة الفاروق رضي الله عنه. عاش الفاروق عمر وسيدُ الرجال عليُّ بين أحرار، فلما طال بهما العهدُ حتى رَأيَا من يتعبد لغير الله، ومن يستعبِدُ غيرَه، أنكرا. وعلى جند الله أن يُعَلِّمُوا الناس حقهم الشرعيَّ الإلهي في الإنسانية والكرامة وإباء الضيم، ويُربوهم على ذلك حتى يروا ذلك معروفا وغيره منكرا. وإنها لصياغةٌ كليةٌ للشخصية الإسلامية بواسطة التهجير من نفسية البوار، وذهنية البوار، إلى حب الله ورسوله، وحب الموت في سبيله، والوقوف مع الحق ضد الباطل، مهما كان للباطل من بأس يُخْشَى، وسطوة تُهدِّدُ. ما هذه الحرية تحفةٌ تهدى، ولا نومةٌ حتى الضحى. يرحم الله أحمد شوقي قال:
وللحرية الحمراء باب    بكل يد مضرجة تُدَق
أستغفر الله العظيم. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق